لكي تعرف





كانت قصة سنوحي من أحب القصص إلي قلوب المصريين القدماء في جميع عصور الحضارة المصرية ، بل وحتى الآن .. لذلك فان المصريين القدماء نظراً لحبهم لهذه القصة الواقعية الشيقة فقد راجت بينهم وظلوا يتناقلونها عبر العصور وخصوصا في المدارس في مراحل الدراسة وفي مناهج التعليم . وقد وصلتنا قصة سنوحي مكتوبة على البردي ..





وقد أجمع علماء الدراسات المصرية على أن قصة سنوحي خير ما وصل إلينا من القصص المصري القديم ، وإنها تتفوق على غيرها بأسلوبها وتركيبها ولغتها وما جمعته من العناصر الفنية اللازمة للقصة الناجحة . كذلك رجال الأدب والثقافة في العالم يشاركون علماء الآثار في هذا الإعجاب فقد ذهب بعض الأدباء العالميين المشهورين مثل رديارد كبلنج إلى أنه اعتبر قصة سنوحي جديرة بأن توضع بين روائع الأدب العالمي .. وقد أرسل كبلنج بذلك خطابا إلى سير ألان جاردنر عالم الآثار الشهير والمتخصص في اللغة المصرية القديمة ..




وقصة سنوحي من حيث الشكل قصة واقعية لتجربة شخصية حدثت في زمان ومكان ، ولها بداية ونهاية. وقد تضمنت في سياقها أحداثا مثيرة ، ومعلومات مشوقة عن بلاد الشام وأهلها في ذاك الزمان . وتضمنت من شعر المدائح والأمثال الجارية في ذلك العصر ومن صيغ التراسل ولباقة الاستعطاف ورقة الاعتذار ما جعل المعلمين والطلبة يتلذذون في الاستشهاد وترصيع كتاباتهم به ..
ثم هي من الناحية الفنية قد أبدعت في تصوير مشاعر الإيمان و الخوف والمفاخرة بالانتصار ، والتغلب على المشاق ، وعاطفة الحنين إلى الوطن وتقديس الدفن تحت ترابه .. ولذلك تعتبر قصة سنوحي من القصص الأدبي الهام الذي وصلنا من مصر القديمة من الناحية الأدبية .. كما أنها قصة هامة من ناحية أنها تعطينا فكرة عما كان يحدث أحياناً من الصراعات السياسية في القصر الملكي على تولي الحكم ،و تلقي الضوء على العلاقات الدولية بين مصر وجيرانها من الدول الأخرى؛ فقد صورت لنا جانباً من علاقات مصر بمناطق الشام في عهدي الملكين أمنمحات الأول و سنوسرت الأول .. كما نفهم من القصة كذلك أن اللغة المصرية القديمة لغة سنوحي كانت معروفة لبعض أهل الشام ،. 
كما توضح لنا أن جالية من المصريين كانت تعيش في بلاد الشام سواء للتجارة أو خلاف ذلك .. كما توضح لنا كذلك أن عدداً من أهل الشام كانوا يفدون على مصر للتجارة أو للزيارة فيتعرفون على شخصياتها البارزة التي يسمعون عنها .. كما توضح القصة أيضاً أن حكام الشام كانوا على اتصال بمجريات الأمور في مصر ويحبون الاستزادة من أخبارها .. 

واسم سنوحي في اللغة المصرية القديمة (سا نهت) بمعنى (ابن الجميزة)، فكلمة (سا) معناها (ابن) ,وكلمة (نهت) معناها (الجميزة) ؛ والجميزة كانت مقدسة عند المصريين القدماء ، ونظراً لأن التاء في آخر الكلمة كانت تسقط عند المصريين القدماء لذلك فكلمة (نهت) (الجميزة) كانت تنطق (نوهي) في اللغة القبطية (التي هي آخر تطورات اللغة المصرية القديمة) ، لذلك فقد نطق الأثريون الأوائل اسم صاحب القصة (سنوهي) وهو أنسب نطق لها.. 

لقد عاش سنوحي في الدولة الوسطى الأسرة الثانية عشرة أيام الملكين أمنمحات الأول وسنوسرت الأول فكانت فترة معيشته عام (1991 ـ 1924) قبل الميلاد . وكان سنوحي رجلا من بلاط أمنمحات الأول ومن المتصلين بأجنحة بناته وحريمه. ولقد تأثر القوم بقصة سنوحي وأعجبوا بها مثلما تأثرنا نحن بها حينما قرأناها وذلك نظرا لما فيها من حب وإخلاص المصري لوطنه مهما ابتعد عنه تحت وطأة ظروف معينة، وعدم الرضاء عنه بديلا مهما كان في رغد من العيش، ومهما تقدمت به السن ..
وأحبوها كذلك لأنها قصة إنسانية جديرة بالدراسة وأخذ العبر وتنمية المشاعر الوطنية وما يكتنفها من حنين لتراب الوطن والاشتياق للعودة إليه ، وحب الدفن تحت ترابه ، وما تخللها من فترات المعاناة وانتصار النفس البشرية على التحديات لإثبات الذات . وظل القوم يتلون قصة سنوحي ويقروها في مدارسهم في مراحل الدراسة المختلفة في مختلف العصور حتى يشب التلاميذ متشبعين بحب وطنهم ناشئين على العزة والكرامة وروح المغامرة . .




وظل تلاميذ الكتبة في طيبة بعد مرور ثمانمائة سنة ينقلون منها فقرات كتمرينات . ويبدو أن المصدر الأصلي لقصة سنوحي الحقيقية هو أن سنوحي نفسه سجلها على جدران مقبرته أو على نصب في المقبرة ، وما شاع بين الناس من روايتها ، فسجلوها على البرديات وقطع الفخار . وقد وردت إلينا هذه القصة مكتوبة على نسخ كثيرة ،ومن النسخ التي وردت إلينا كاملة لهذه القصة أنها وردت كاملة على برديتين كانتا في متحف برلين بألمانيا . وقد تم ترجمة نص القصة ودراستها بواسطة عدد من علماء المصريات على رأسهم السير ألان جاردنر الذي قام بترجمة نصها ثم أعاد ترجمتها مرة أخرى . وبعد ذلك ظهرت لها ترجمات كثيرة ودراسات عديدة لعدد من العلماء في جميع الآثار التي وردت مكتوب عليها هذه القصة من برديات وفخار ..